53عاماً على ثورة الصين الثقافية:

53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي

  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي
  • 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي

اخرى قبل 5 سنة

53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي

بعد ثورتيها السياسية والاقتصادية، أطلقت الصين في 18 آب/أغسطس عام 1966 الثورة الثقافية بهدف زيادة سلطة وفعالية الحزب الشيوعي في قيادة البلاد وحماية تجربته في الوقت ذاته من الارتدادات التي قد تنتج عن تجربة النقد الذاتي الروسيّة الكبيرة التي كان بدأها نيكيتا خروتشوف منذ عام 1956... كل ذلك في ظل كارثة "القفزة الكبرى إلى الأمام" (1958-1961) التي كادت تودي إلى أمد غير معلوم بالاقتصاد الصيني.

الشباب ضد التقليد... وضد الحزب!

ركّز ماو تسي تونغ، الذي كان ما يزال رئيساً للحزب الشيوعي، على تعبئة طلاب بكين وشانغهاي ضد التقليد والمهادنة وطالبهم بالثورة على آبائهم وعلى سياسيي الحزب المتهمين بالتحريف والضلال العقائدي والبراغماتية بالإضافة للفساد. وكان من أبرز المتهمين ليو شاوتشي، الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك، ودينج شياو بينج، أحد أبرز القياديين الصينيين الذي سيكون لهم دور بارز في إعادة توجيه الاقتصاد والسياسة في الجمهورية الشعبية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. اتهم الاثنان بالتضحية بالأيديولوجية الشيوعية في سبيل ضرورات الانتعاش الاقتصادي، وخضع شياو بينج لإعادة تعليم وتوجيه إيديولوجي قسري بينما توفي شاوتشي في السجن لاحقاً.

اجتمعت الفرق الشبابية التي كلفها الزعيم بتصحيح الأوضاع داخل الحزب وفي الحياة العامة وكوّنت ما سيعرف بـ"الحرس الأحمر". وشهيرة هي صور الشبيبة الحمراء الصينية في الستينات وهي تجول شوارع بكين رافعة "الكتاب الأحمر الصغير" الذي يحتوي تعاليم ماو التي "لابد لكي ثوري جيد أن يحفظها عن ظهر قلب ويكررها في كل مناسبة". اجتمعت هذه الفرق في كل مكان وجرت ضمنها مناقشات كبيرة كان الشباب الساخطون يعبرون خلالها عن آرائهم في كل شيء وينتقدون المؤسسات القائمة التي تحتاج تغييراً وثورة ثقافية ومن ثم كانوا يعمدون إلى نشرها في مجلات حائط عمومية تسمى في الصين "Dazibao".

خلال عامي 1967 و1968، تحولت تلك الفرق الشبابية إلى مجموعات شبه عسكرية انطلقت "تصطاد" أساتذة الجامعات والمدرسين المتهمين بتمثيل البرجوازية والتحريف ونفذت عمليات إعدام لأعداد كبيرة منهم دون محاكمات كانت غالباً ما تسبق بحفلات من الإذلال البدني والنفسي ضد من كان الحراس الحمر يطلقون عليهم اسم "الأعشاب السامة". وكان من أبرز الشخصيات الثقافية التي طالتها حملات القمع الروائي لاو شه الذي أهين ثم قتل في حادث ما زال غامضاً حتى اليوم بين من يعتقد أنه أعدم أو انتحر. كما شنت الشبيبة الغاضبة حملة شعواء على المعابد والمراكز الدينية وحتى المحلات التجارية باعتبارها تعبيراً عن "النظام القديم" بشقيه الإقطاع الريفي التقليدي والبرجوازية المدينية الحديثة. حتى الكتب القديمة والتراثية لم تسلم من حملة التطهير الثقافي تلك، وذلك إذا لم نتحدث عن الإنتاج الثقافي والفني الغربي الذي تم حظر أغلبه ومنع تداول جلّه بحجة برجوازيته.

الضحايا... الرقم الصعب

ليس هناك تقدير دقيق لأعداد الضحايا. فالنظام الصيني وهو الأكثر قدرة على إجراء تقييم موثق لما جرى، رفض على الدوام تقديم تحليل محايد لهذه الفترة أو فتح الأرشيف الخاص بها أمام المؤرخين. وتعود البادرة الوحيدة التي تقدمت بها القيادة الصينية إلى عام 1977 حين ناقش الحزب الشيوعي في مؤتمره الـ 11 هذه القضية وتبنى قراراً يعتبر الثورة الثقافية "فترة من الاضطراب الداخلي، بدأت بشكل خاطئ من قبل الزعيم (ماو) وتم التلاعب بها من قبل جماعات مناهضة للثورة"، أي ما عرف بـ"عصابة الأربعة" ومجموعة لين بياو. وتتباين المصادر المختلفة أشد التباين فيما يخص رقم القتلى بين من يقول إنه في حدود 400 ألف ومن يرفعه ليصل إلى 36 مليوناً (كان عدد سكان الصين عام 1968 أكثر من 774 مليوناً)، الأمر الذي يعكس الغموض الكبير الذي يلف تلك الحقبة والأهواء الإيديولوجية التي تقف خلف التقديرات المتعددة.

نهاية عام 1968، قرر ماو وضع حد للاضطراب الذي نتج عن الثورة الثقافية فوجّه أوامره إلى قائد الجيش لإرسال سبعة عشر مليوناً من شباب "الحرس الأحمر" إلى الريف وعهد إليهم بمهمة رعاية الفقراء من الفلاحين. القسم الأكبر منهم لن يعود أبداً إلا مع موت الزعيم عام 1976 وبعضهم الآخر سيعود محملاً بالكراهية والضغينة تجاه النظام. لكن المشكلات استمرت حتى بعد وفاة ماو نتيجة صراعات بين أجنحة السلطة وخاصة بين زوجته جيانغ كينغ، التي كانت ترغب في إعادة إحياء الثورة الثقافية، ورئيس الوزراء آنذاك تشو ان لاى.

فرنسا الماوية الحمراء

بالمقابل، كان للثورة الثقافية المعادية إسمياً للغرب الثقافي أكبر الأثر في أوساط الشبيبة المتمردة في المراكز الغربية الكبرى وخاصة في فرنسا. وقد اجتذبت على مدى السنوات اللاحقة، التي توّجت بتحركات أيار/مايو 1968، الطلبة من أبناء البرجوازيين واليساريون الحانقون على الأحزاب الشيوعية المحلية... وحتى من سيصبح فيما بعد من سياسيي اليمين الفرنسي البارزين مثل الوزير الأسبق آلان بيرفيت أو الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان. كان من الشائع جداً أن نرى "الكتاب الأحمر الصغير" وصور ماو على الأرصفة لدى بائعي الكتب في الحي اللاتيني في باريس وكذلك في الاجتماعات المغلقة ليساريي فرنسا الراديكاليين أو "الماويين"، حتى أن جان لوك غودار ساهم في الإضاءة على هذه الحالة في فيلم "لا شينواز" بينما كانت الثورة الثقافية تحصد الأرواح وتؤسس لـ"النظام الثوري الجديد".

أعطت الثورة الثقافية الصينية في الغرب دفعاً جديداً هاماً للماركسيين وتوالت زيارات المثقفين الفرنسيين خاصة إلى الصين ومن بينهم فيليب سولرز الذي عاد من هناك مفعماً بالإعجاب بهذه "الثورة الحقيقية المضادة للبرجوازية". لكن سولرز سيتراجع بعد عقد من الزمان عن تقييمه ذاك ويبدأ بالحديث عن "الوهم الماركسي" الذي أصابه حينها. كذلك، قدّم سارتر ودوبوفوار دراسة عن الصين وتجربتها الشيوعية عموماً عام 1967 وأعلنا الالتحاق بركب مشروعها المتمثل في "منع طبقة جديدة ذات أفضلية من التشكل وإعطاء الجماهير سلطة أصيلة وتحويل كل فرد إلى إنسان كامل". أما العنف فبرره سارتر بالقول إنه "بالنسبة للماويين [...] فإن العنف الثوري حين يولد في أوساط الجماهير يكون مباشرة عنفاً أخلاقياً بعمق لأن العمال الذين كانوا حتى تلك اللحظة موضوعات للاستبداد الرأسمالي، يصبحون ولو لحظة واحدة ذوات تاريخهم".

إن الإغراء الذي مارسته الثورة الثقافية الصينية على المفكرين الفرنسيين مثير للدهشة فعلاً وخاصة إن علمنا أن المقر الفكري الأساس الذي فتح ذراعيه لاستقبال التجربة الصينية ورموزها كان يومذاك "مدرسة الأساتذة العليا" المرموقة في باريس والتي خرّجت كبار مفكري الماركسية الفرنسيين من أمثال ألتوسير ودريدا وباليبار وباديو، ولكن كذلك من المفارقين للماركسية أو من معاديها من أمثال آلان غيسمار وآلان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان وجان كلود ميلنر. وكانت حركة "اليسار البروليتاري" الماوية تحظى كذلك برعاية وعطف مثقفين ليسوا بالضرورة ماويين من أمثال إيف مونتان وسيمون سينيوريه وجان جينيه وميشال فوكو وغيرهم ممن كانوا يسمون بـ"التقدميين". باختصار، فقد طبعت الماوية السياسية والاقتصادية والثقافية جيل الستينات والسبعينات من مفكري فرنسا ومثقفيها، وهي لا تزال تجد مدافعين ومحازبين وقارئين في التجربة يعد أبرزهم اليوم آلان باديو.

وفي محاضرة من عام 2014 اعتبر باديو "الثورة الثقافية (الصينية) الحدث السياسي الأكثر أهمية في النصف الثاني من القرن العشرين". لأنه و"انطلاقاً منها، ولكن خاصة من الأسباب العقلانية لفشلها، نستطيع ويتوجب علينا التفكير بالدخول فيما يمكننا تسميته بـ"المرحلة الثورية الثالثة" للفكر الشيوعي. الثالثة بعد مرحلة التأسيس الماركسية الأولى في القرن التاسع عشر والمرحلة اللينينية للتجربة الأولى التي تكسرت على صخرة معادلة الدولة/الحزب".

فهل هناك مرحلة رابعة؟ وأي شكل ستأخذ؟ وأي عنف ستستثير؟ وأي نتائج ستترك؟

 

التعليقات على خبر: 53عاماً على ثورة الصين الثقافية: ثالث المراحل في الفكر الشيوعي

حمل التطبيق الأن